فصل: فَصَلِّ: جَنَاية المُدَبَّر أَوْ أُمُّ وَلَدٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصَلِّ: في دِيَةِ الْعَبْدِ:

شَرَعَ فِي بَيَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى غَيْرِهِ (دِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّ الْعَبْدَ أَنْقَصُ حَالًا مِنْ الْأَحْرَارِ (فَإِنْ كَانَتْ) قِيمَةُ الْعَبْدِ (قَدْرَ دِيَةِ الْحُرِّ أَوْ أَكْثَرَ نَقَصَتْ) الْقِيمَةُ (عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَمَةِ كَدِيَةِ الْحُرَّةِ أَوْ أَكْثَرَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا تُزَادُ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ يُقْضَى لِوَلِيِّهِ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ يُقْضَى بِخَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا عَشْرَةً فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَفِي رِوَايَةٍ إلَّا خَمْسَةً هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} فَإِنَّهُ أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ فِي النَّصِّ.
(وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ.
(وَ) كُلُّ (مَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّقِيقِ) لِمَا أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الرَّقِيقِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهَا بَدَلُ الدَّمِ (فَفِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الرَّقِيقِ (نِصْفُ قِيمَتِهِ) كَمَا أَنَّ فِي يَدِ الْحُرِّ نِصْفُ دِيَتِهِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِدُنُوِّ مَرْتَبَتِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْحُرِّ وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ وَقَوْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً أَيْ لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَأَمَّا طَرَفُ الْمَمْلُوكِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَلَا بِالْكَفَّارَةِ فَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ التَّسْمِيَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إنَّ الْأَخْذَ بِهَذَا الْقَوْلِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَى أَنْ قَالَ: فَلِهَذَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً انْتَهَى وَفِي التَّنْوِيرِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي لِحْيَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ كَمَالُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا.
وَفِي الْمُجْتَبَى حَلَقَ رَأْسَ عَبْدٍ فَلَمْ يَنْبُتْ قَالَ الْإِمَامُ: إنْ شَاءَ الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
(وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ عَمْدًا فَأَعْتَقَ فَسَرَى) إلَى الْقَتْلِ (اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ كَانَ وَارِثُهُ سَيِّدَهُ فَقَطْ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ سَيِّدِهِ (فَلَا) يُقْتَصُّ هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا قِصَاصَ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثُهُ سَيِّدَهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَلْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ (أَرْشُ الْيَدِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى حِينِ الْعِتْقِ) أَيْ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ سِوَاهُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْوَرَثَةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ وَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ أُخْرَى سِوَى الْمَوْلَى وَاجْتِمَاعُهَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهِمَا فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُفِيدًا وَلَا يُقَادُ بِإِذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْآذِنُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصِي بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إذَا قُتِلَ لِأَنَّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْحَقِّ ثَابِتٌ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَإِذَا اجْتَمَعَا زَالَ الِاشْتِبَاهُ.
(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا) أَيْ الْعَبْدَانِ بِأَنْ شَجَّهُمَا آخَرُ (فَبَيَّنَ) الْمَوْلَى الْعِتْقَ (فِي أَحَدِهِمَا) بَعْدَ الشَّجِّ (فَأَرْشُهُمَا) أَيْ أَرْشُ شَجَّةِ ذَيْنِك الْعَبْدَيْنِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَكُنْ نَازِلًا فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِفُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ.
(وَإِنْ قُتِلَا) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَبْلَ التَّعْيِينِ ثُمَّ بَيَّنَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ إنْ) كَانَ (الْقَاتِلُ وَاحِدًا) لَا قِيمَةُ عَبْدَيْنِ وَلَا دِيَةُ حُرَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا حُرًّا بِيَقِينٍ حِينَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ الْكُلُّ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ قِيمَتُهُمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا إذَا قُتِلَا مَعًا وَلَوْ قَتَلَهُمَا وَاحِدٌ عَلَى التَّعَاقُبِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلسَّيِّدِ وَدِيَةُ الْآخَرِ لِوَارِثِهِ إذْ يُقْتَلُ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ أُخِّرَ.
(وَإِنْ قَتَلَ كُلًّا) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَاحِدٌ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ) أَيْ إذَا قَتَلَ اثْنَانِ كُلًّا مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ يُدْرَ أَوَّلُهُمَا أَوْ قُتِلَا مَعًا تَجِبُ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ قِيمَةُ عَبْدٍ قَتَلَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْبَيَانِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْفَاقِئِ (وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ) إنْ شَاءَ (أَمْسَكَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ لَكِنْ (إنْ أَمْسَكَهُ فَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَنْ يُضَمِّنَهُ) أَيْ الْفَاقِئَ (نُقْصَانَهُ) أَيْ نُقْصَانَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَهُمَا أَنَّهُ فِي الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ تَخْيِيرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرِ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ لِأَنَّ فِيمَا قَالَاهُ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ.

.فَصَلِّ: جَنَاية المُدَبَّر أَوْ أُمُّ وَلَدٍ:

(وَإِنْ جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ) إذْ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ بِلَا شُبْهَةٍ (فَإِنْ جَنَى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ جِنَايَةً (أُخْرَى) فَعِنْدَ الْإِمَامِ (شَارَكَ وَلِيُّ) الْجِنَايَةِ (الثَّانِيَةِ وَلِيَّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى فِي الْقِيمَةِ إنْ دُفِعَتْ) أَيْ الْقِيمَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى (بِقَضَاءٍ) وَلَا يَطْلُبُ وَلِيُّ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّي مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ بِالْقَضَاءِ فَيَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءٍ بَلْ بِرِضًى (فَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ) وَلِيُّ الثَّانِيَةِ (وَلِيَّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى) لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً فَإِذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ صَارَ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفُذَ هَذَا الدَّفْعُ فِي حَقِّهِ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِدَفْعِ حَقِّهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ لَا جَبْرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى مَا بُيِّنَ آنِفًا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يَتْبَعُ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَلِيَّ الْأُولَى بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ دَفَعَ الْمَوْلَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا فَعَلَهُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إيصَالُ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ فِيهِ كَدَفْعِ الْعَيْنِ وَدَفْعَ الْعَيْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ وَأَمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَاتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ.

.بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ:

لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا يُرَدُّ مِنْهُ وَذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ.
(وَلَوْ قَطَعَ سَيِّدٌ يَدَ عَبْدِهِ فَغُصِبَ) أَيْ الْعَبْدُ بِأَنْ غَصَبَهُ آخَرُ (فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (مَقْطُوعًا) لِأَنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَصُيِّرَ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ إنْ قُطِعَ.
(وَإِنْ قَطَعَ سَيِّدُهُ) أَيْ الْعَبْدِ يَدَهُ (عِنْدَ الْغَاصِبِ فَمَاتَ) مِنْ الْقَطْعِ (بَرِئَ الْغَاصِبُ) مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مُضَافَةٌ إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا.
وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ قَطَعَ يَدَهُ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ.
(وَلَوْ غَصَبَ) عَبْدٌ (مَحْجُورٌ) عَبْدًا مَحْجُورًا (مِثْلَهُ فَمَاتَ) الْمَغْصُوبُ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَهَذَا مِنْهَا فَيَضْمَنُ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ يُبَاعُ فِيهِ بِالْحَالِ بِخِلَافِ أَقْوَالِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ لَا يُبَاعُ بَلْ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
(وَلَوْ غُصِبَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (مُدَبَّرٌ فَجَنَى) ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ (عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ) رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى (عِنْدَ سَيِّدِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ جَنَى عِنْدَ سَيِّدِهِ جِنَايَةً ثُمَّ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ جِنَايَةً أُخْرَى (ضَمِنَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ (وَرَجَعَ) السَّيِّدُ (بِنِصْفِهَا) أَيْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَهَا (عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَنِصْفَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ وُجِدَ عِنْدَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالسَّبَبِ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ (وَدَفَعَهُ إلَى رَبِّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مَا إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ (ثُمَّ رَجَعَ بِهِ ثَانِيًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأُولَى فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي، فَإِذَا وَجَدَ الْأَوَّلُ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَارِغًا يَأْخُذُهُ لِيَتِمَّ حَقُّهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى ثَانِيًا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ.
وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَدْفَعُهُ) أَيْ نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّذِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بَلْ هُوَ مُسَلَّمٌ لِلْمَوْلَى إذْ هُوَ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (وَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سُلِّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَرْجِعُ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ (وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عِنْدَ مَوْلَاهُ جِنَايَةً ثُمَّ عِنْدَ غَاصِبِهِ أُخْرَى (يَدْفَعُهُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَوْلَى مَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (وَلَا يَرْجِعُ) الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ (ثَانِيًا) بِمَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى صَدَرَتْ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمَوْلَى (وَالْقِنُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ (كَالْمُدَبَّرِ إلَّا) أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (أَنَّهُ) أَيْ الْمَوْلَى (يَدْفَعُهُ) أَيْ الْقِنَّ نَفْسَهُ (وَفِي الْمُدَبَّرِ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ) أَيْ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ (وَحُكْمُ تَكْرَارِ الرُّجُوعِ وَالدَّفْعِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ اخْتِلَافًا وَاتِّفَاقًا) فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ الْقِنَّ إلَيْهِمَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَسُلِّمَ لِلْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَرْجِعُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ.
(وَلَوْ غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا مَرَّتَيْنِ فَجَنَى) الْمُدَبَّرُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَرَّتَيْنِ (غَرِمَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ (وَرَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَدَفَعَ نِصْفَهَا) أَيْ الْقِيمَةِ (إلَى وَلِيِّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى وَرَجَعَ بِهِ) أَيْ بِالنِّصْفِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (ثَانِيًا اتِّفَاقًا)، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ خَطَأً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَغَصَبَهُ ثَانِيًا ثُمَّ جَنَى ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ عِنْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ نِصْفَيْنِ لِمَنْعِهِ رَقَبَتَهُ بِالتَّدْبِيرِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بَدَلَ الرَّقَبَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ عِنْدَهُ، ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ.
وَإِلَى الْقَوْلِ بِالِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الْأُولَى الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ عِوَضٌ عَمَّا سُلِّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دُفِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذُكِرَ.
(وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا) أَيْ ذَهَبَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَذِكْرُهُ بِلَفْظِ الْغَصْبِ مُشَاكِلُهُ إذْ الْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ (فَمَاتَ) أَيْ الصَّبِيُّ (فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الذَّاهِبِ بِهِ (فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ) مَاتَ (بِصَاعِقَةٍ) أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ (فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ الذَّاهِبِ (دِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الصَّبِيِّ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحَدِّ لَا يَتَحَقَّقُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ لِكَوْنِهِ غَاصِبًا بَلْ لِتَسَبُّبِهِ لِإِتْلَافِهِ بِنَقْلِهِ إلَى مَكَان فِيهِ الصَّوَاعِقُ وَالْحَيَّاتُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان تَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ كَالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِقَتْلِهِ بِالنَّقْلِ تَسَبُّبًا قَالَ فِي الْغَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ فَمَا حُكْمُ الْحُرِّ الْكَبِيرِ إذَا نُقِلَ إلَى هَذِهِ الْأَمَاكِنِ تَعَدِّيًا فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؟ أُجِيبَ: حُكْمُهُ أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ النَّاقِلُ قَيَّدَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا فَعَلَ بِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْحِفْظِ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى تَقْصِيرِهِ لَا إلَى الْغَاصِبِ فَلَا يَضْمَنُ فَكَانَ حُكْمُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حُكْمَ الْحُرِّ الْكَبِيرِ الْمُقَيَّدِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ نَفْسِهِ انْتَهَى.
(وَلَوْ قَتَلَ صَبِيٌّ عَبْدًا مُودَعًا عِنْدَهُ ضَمِنَ عَاقِلَتَهُ) يَعْنِي أَوْدَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَبْدَهُ عِنْدَ صَبِيٍّ فَقَتَلَهُ ذَلِكَ الصَّبِيُّ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَةَ الْعَبْدِ.
(وَإِنْ أَكَلَ) الصَّبِيُّ (طَعَامًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا أُودِعَ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا مُتَقَوِّمًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لِنَفْسِهِ بَلْ مَعْصُومٌ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَقَدْ فَوَّتَ الْعِصْمَةَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَ مَالَهُ فِي يَدِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مَبْقِيّ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَلِهَذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْعَاقِلَةِ قِيمَةَ الْعَبْدِ.
(وَلَوْ أُودِعَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ مَالٌ فَاسْتَهْلَكَهُ) أَيْ الْمَالَ (ضَمِنَ) الْعَبْدُ (بَعْدَ الْعِتْقِ لَا فِي الْحَالِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ (وَالْإِقْرَاضُ وَالْإِعَارَةُ كَالْإِيدَاعِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا مَرَّ آنِفًا (وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ الْعَاقِلُ) كَمَا شَرَطَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي صَبِيٍّ عُمْرُهُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ وَلِهَذَا قَالَ (وَفِي غَيْرِ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ الْمَالَ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا يَضْمَنُ الْعَاقِلُ) أَيْضًا (مَالًا أَتْلَفَهُ بِلَا إيدَاعٍ وَنَحْوِهِ) بِالِاتِّفَاقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّسْلِيطَ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ عَقْلِهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ فَلِهَذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ.

.بَاب الْقَسَامَة:

لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ أَوْرَدَهَا فِي آخِرِ الدِّيَاتِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْإِقْسَامِ.
وَفِي الشَّرْعِ أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ وُجِدَ فِيهِمَا قَتِيلٌ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ يَقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا وَسَبَبُهَا وُجُودُ الْقَتِيلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ الْيَمِينِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسِينَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا كَمَا سَيَجِيءُ وَشَرْطُهَا بُلُوغُ الْمُقْسِمِ وَعَقْلُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ الْمَوْجُودُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَكْمِيلُ الْيَمِينِ خَمْسِينَ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُقْسِمُونَ هَذَا الْعَدَدَ يُكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَمْسِينَ، وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ، وَالْحَبْسُ إلَى الْحَلِفِ إنْ أَبَوْا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ، وَالْحُكْمُ بِالدِّيَةِ عِنْدَ النُّكُولِ إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ خَطَأً.
وَمِنْ مَحَاسِنِهَا خَطَرُ الدِّمَاءِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَخَلَاصُ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَتَعْيِينُ الْخَمْسِينَ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْوَارِدَةِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ.
(إذَا وُجِدَ مَيِّتٌ فِي مَحَلَّةٍ بِهِ) أَيْ بِالْمَيِّتِ (أَثَرُ الْقَتْلِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا فَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ (أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ أَوْ) أَثَرُ (ضَرْبٍ وَلَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ) إذْ لَوْ عُلِمَ قَاتِلُهُ سَقَطَتْ الْقَسَامَةُ عَنْ أَهْلِهَا (فَادَّعَى وَلِيُّهُ قَتْلَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلِّهِمْ (أَوْ بَعْضِهِمْ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (حُلِّفَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ جَوَابُ إذَا (خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ) صِفَةُ خَمْسُونَ وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَارُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ سَوَاءٌ اخْتَارَ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ كَالْفَسَقَةِ أَوْ الشُّبَّانِ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَرِزُهُ الْفَسَقَةُ، فَإِذَا عَلِمُوا الْقَاتِلَ فِيهِمْ أَظْهَرُوهُ وَلَمْ يَحْلِفُوا.
وَلَوْ اخْتَارَ فِي الْقَسَامَةِ أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَهُمَا لَيْسَا بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ (بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) فَقَوْلُهُ بِاَللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِحُلِّفَ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الْحَلِفِ يُحَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا وَلَا يُجْمَعُ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي إسْنَادِ نَفْيِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وَحْدَهُ وَيَنْوِيَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا الْعِلْمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ وَيَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ عَالِمًا بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ مَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ؟ قُلْنَا فَائِدَتُهُ تَعْيِينُ مَحَلِّ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ تَعْيِينِهِ وَقَدْ يَظُنُّ غَيْرَ الْقَاتِلِ قَاتِلًا (ثُمَّ قُضِيَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ الْمَحَلَّةِ (بِالدِّيَةِ) لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ إنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْكُمْ فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى أَمْرًا فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ مِثْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ قَالُوا لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ أَيْ بِالْوَحْيِ» (وَمَا تَمَّ خَلْقُهُ كَالْكَبِيرِ) أَيْ إذَا وُجِدَ سِقْطٌ أَوْ جَنِينٌ تَامُّ الْخَلْقِ بِهِ أَثَرٌ مِنْ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مَيِّتًا ظَاهِرًا (وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ وَإِنْ كَانَ لَوْثٌ) أَيْ عَدَاوَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ حَلَفُوا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ أَوْ خَطَأً فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ حُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ نَكَلُوا فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِهِ وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ، وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا قَرِينَةُ حَالٍ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَالدَّمِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ حُلِّفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا وَفِي بَرَاءَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالْيَمِينِ (فَإِنْ نَقَصَ أَهْلُهَا) أَيْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ (عَنْ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْيَمِينُ) عَلَيْهِمْ (إلَى أَنْ يَتِمَّ) خَمْسُونَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْحِكْمَةِ فِي هَذَا الْعَدَدِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ لِيَتِمَّ بِهِ خَمْسُونَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُهُ (وَمَنْ نَكَلَ) مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ (حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ فِيهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ.
هَذَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ الْبَاقِينَ فِي الْقِيَاسِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ (وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَحْلَفِينَ (قَتَلَهُ فُلَانٌ اسْتَثْنَاهُ) ضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدٌ إلَى مَنْ وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ إلَى فُلَانٍ (فِي يَمِينِهِ) بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا إلَّا فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ قَتَلَهُ فُلَانٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا.
(وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (سَقَطَتْ) الْقَسَامَةُ (عَنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، أَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَا تَبْطُلُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ أَهْلِهَا.
وَعَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِي ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَيْهِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِبَرَاءَتِهِمْ مِنْ التُّهْمَةِ بِادِّعَاءِ الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ عَنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ يَشْهَدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعُرْضَةٍ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عُرْضَةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ: فَمِنْ ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُخَاصِمْ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ الشَّفِيعُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِكَوْنِهِمَا فِي عُرْضَةِ الْخُصُومَةِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَحَلَّةِ وَادَّعَى أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ دُونَهُمْ وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ مَحَلَّتِهِمْ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَتَثْبُتُ لَهُمْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنُوا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الشَّرْعِ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ بَرَاءَتُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ الطَّرَفَيْنِ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْقُطُ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ تُسْقِطُ الْقَسَامَةَ عَنْهُمْ وَعَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا، هَذَا إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ، أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمَجْرُوحُ فَقَالَ قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ وَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (عَلَى بَعْضِهِمْ لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْوَلِيُّ (إجْمَاعًا)؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ كَانُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَبِالشَّهَادَةِ تُقْطَعُ الْخُصُومَةُ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ قَوْلِهِ إجْمَاعًا (وَوُجُودُ أَكْثَرِ الْبَدَنِ أَوْ نِصْفِهِ مَعَ الرَّأْسِ) فِي الْمَحَلَّةِ (كَوُجُودِ كُلِّهِ)؛ لِأَنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ فَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ.
(وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَجْرِي عَلَى قَوْلٍ صَحِيحٍ وَلَا يَجْرِي مِنْهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ عَلَى قَاتِلٍ.
(وَ) لَا عَلَى (امْرَأَةٍ، وَ) لَا عَلَى (عَبْدٍ) حَيْثُ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا إلَّا إذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَاتِلًا.
(وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ) مِنْ الضَّرْبِ (أَوْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ)؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَسِيلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِعِلَّةٍ فَلَا يَكُونُ قَتِيلًا؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ عُرْفًا هُوَ فَائِتُ الْحَيَاةِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْحَيِّ عَادَةً وَالْقَسَامَةُ شُرِعَتْ فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ إنَّمَا بَايَنَ الْمَيِّتَ حَتْفَ أَنْفِهِ بِالْأَثَرِ فَمَنْ لَا أَثَرَ لَهُ فَهُوَ مَيِّتٌ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى صِيَانَةِ دَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ، وَمَنْ بِهِ أَثَرٌ فَهُوَ مَقْتُولٌ وَبِنَا حَاجَةٌ إلَى صِيَانَةِ دَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ وَذَا بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ (أَوْ وُجِدَ) فِي مَحَلَّةٍ (أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْأَقَلُّ (مَعَ الرَّأْسِ أَوْ) وُجِدَ (نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ) أَوْ وُجِدَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ رَأْسُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ لَيْسَ بِقَتِيلٍ إذْ الْأَقَلُّ لَيْسَ كَالْكُلِّ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا بِوُجُودِ النِّصْفِ فِي هَذِهِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِهَا لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نُوجِبَ إذَا وُجِدَ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِهَا وَتَكْرَارُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِي قَتْلٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا.
(وَإِنْ وُجِدَ) الْقَتِيلُ (عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا) أَيْ الدَّابَّةَ (رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ السَّائِقِ سَوَاءٌ كَانَ السَّائِقُ مَالِكًا لِلدَّابَّةِ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ لَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا فِي أَيْدِيهِمْ.
(وَكَذَا) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَةَ الْقَائِدِ أَوْ عَاقِلَةَ الرَّاكِبِ (لَوْ كَانَ يَقُودُهَا أَوْ رَاكِبَهَا)؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ.
(وَإِنْ اجْتَمَعُوا) أَيْ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ (فَعَلَيْهِمْ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرَ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا، وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ.
(وَإِنْ وُجِدَ) قَتِيلٌ (عَلَى دَابَّةٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) أَيْ أَقْرَبِ الْقَرْيَتَيْنِ إلَى الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ الَّتِي مَرَّتْ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذَرَّعَ فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى أَحَدِهِمَا بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ» وَاشْتُرِطَ سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِهَذَا الْقَيْدِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ قَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَيُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ، وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ انْتَهَى.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ حَيْثُ قَالَ، وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ يُنْظَرُ إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقَرْيَتَيْنِ إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ، أَمَّا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ، وَيُرَاعَى حَالُ الْمَكَانِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِيهَا أَيْضًا وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا الْعِبْرَةُ لِلْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ.
(وَإِنْ وُجِدَ) قَتِيلٌ (فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَتِيلِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ يُهْدَرُ دَمُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ قَتِيلًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ وَجَدَ قَتِيلًا وَكَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لِوَرَثَتِهِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
(وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ (الْقَسَامَةُ)؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ إلَى الْمَالِكِ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ)؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ حُضُورًا يَدْخُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا) أَيْ كَصَاحِبِ الدَّارِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الْقَسَامَةِ كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فِيهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْحُضُورَ أَلْزَمَهُمْ نُصْرَةَ الْمَوْضِعِ كَمَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ فَيَتَشَارَكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَاقِلَةُ حُضُورًا بَلْ كَانُوا غَائِبِينَ (كُرِّرَتْ) الْأَيْمَانُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ سُكَّانٌ وَمُلَّاكٌ فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْجَمِيعِ)؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ» وَقَدْ كَانُوا سُكَّانًا وَلِأَنَّ وُجُوبَهُمَا عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ الْحِفْظَ أَوْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِاللَّيْلِ مِثْلُ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ يَكُونُونَ بِالنَّهَارِ فِي مَوْضِعٍ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمَحَلَّةِ إلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ؛ لِأَنَّ السُّكَّانَ يَنْتَقِلُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ دُونَ الْمُلَّاكِ وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْغُنْمِ وَهُوَ الشُّفْعَةُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُلَّاكُ فَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ الْغُرْمِ وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَكَانُوا مُلَّاكًا لَا سُكَّانًا، الْمُلَّاكُ هُمْ أَصْحَابُ الرَّقَبَةِ وَالسُّكَّانُ هُمْ الْمُسْتَأْجِرُونَ وَالْمُسْتَعِيرُونَ وَالْمُودَعُونَ وَالْمُرْتَهِنُونَ.
وَإِذَا وُجِدَ الضَّيْفُ فِي دَارِ الْمُضِيفِ قَتِيلًا فَهُوَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَا نَازِلًا فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا دِيَةَ وَلَا قَسَامَةَ وَإِذَا كَانَ مُخْتَلِطًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
(وَهِيَ) أَيْ الْقَسَامَةُ (عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ) أَيْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الْقَدِيمَةِ الَّذِينَ تَمَلَّكُوهَا حِينَ فَتَحَ الْإِمَامُ الْبَلْدَةَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
(وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ (وَاحِدٌ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (عَلَى الْمُشْتَرِينَ أَيْضًا)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَلِهَذَا جُعِلُوا مُقَصِّرِينَ وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ فِيهَا وَقَدْ اسْتَوَوْا فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقَدُّمِ لَمَا شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَالْمَحَلَّةُ تُنْسَبُ إلَيْهِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ وَقَلَّمَا يُزَاحِمُهُ الْمُشْتَرِي فِي التَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَسَامَةِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَقِيلَ إنَّمَا أَجَابَ الْإِمَامُ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَهُ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرُونَ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) بِالِاتِّفَاقِ أَيْ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِينَ؛ لِأَنَّهُ زَالَ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَصَلَتْ لَهُمْ الْوِلَايَةُ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ خَفِيٌّ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
(وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ وَلَمْ تُقْبَضْ) فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ (فَعَلَى الْبَائِعِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ فَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَلَهُ إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ وَالْيَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَكَانَ مُقَصِّرًا فِي الْحِفْظِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ عَلَى) عَاقِلَةِ (ذِي الْيَدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودَعِ وَمَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَرَارُ الْمِلْكِ، وَلَهُ أَنَّ الْحِفْظَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَيْدِي؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْيَدَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمِلْكَ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَرَارِ الْمِلْكِ.
(وَلَا تَدِي عَاقِلَةُ ذِي الْيَدِ إلَّا بِحُجَّةِ أَنَّهَا) أَيْ الدَّارَ (لَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَالْيَدُ، وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ كَمَا عُرِفَ فِي الْحُصُولِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبَ الدَّارِ أَوْ غَيْرَهُ.
(وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ سِهَامًا مُخْتَلِفَةً) بِأَنْ كَانَ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِآخَرَ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ (فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الرُّءُوسِ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُضَافٌ إلَى وِلَايَةِ الْحِفْظِ وَعِنْدَ التَّقْصِيرِ فِيهِ ثَبَتَ أَحْكَامُ الْقَتْلِ بِدَلَالَةِ الْمِلْكِ، وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ ثَابِتَةٌ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَالدَّلَالَةُ وَاحِدَةٌ لَا يَخْتَلِفُ أَثَرُهَا بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ فَكَانَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَالشُّفْعَةِ.
(وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي سَفِينَةٍ فَعَلَى مَنْ فِيهَا) أَيْ فِي السَّفِينَةِ (مِنْ الْمَلَّاحِينَ وَالرُّكَّابِ) جَمْعُ رَاكِبٍ أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مِنْ أَرْبَابِهَا وَسُكَّانِهَا، الْمَالِكُ وَغَيْرُ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمْ فِي تَدْبِيرِهَا سَوَاءٌ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ لِتَسْوِيَتِهِ فِي الدَّارِ بَيْنَ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّ السَّفِينَةَ تَنْقُلُ وَتُحَوِّلُ فَتَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً فَإِنَّهَا مَرْكَبٌ كَالدَّابَّةِ.
(وَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا)؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ.
(وَإِنْ) وُجِدَ الْقَتِيلُ (بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) أَيْ الْقَرْيَتَيْنِ إلَى الْقَتِيلِ لِمَا رَوَيْنَا سَابِقًا.
(وَإِنْ) وُجِدَ (فِي سُوقٍ مَمْلُوكٍ فَعَلَى الْمَالِكِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى السُّكَّانِ) سَوَاءٌ كَانُوا مُلَّاكًا أَوْ غَيْرَ مُلَّاكٍ قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُشَارِكَ الْمُلَّاكُ السُّكَّانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ (وَفِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ) مِنْ الْأَسْوَاقِ (كَالشَّوَارِعِ) جَمْعُ شَارِعٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِدُونِ قَسَامَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَسَامَةِ نَفْيُ تُهْمَةِ الْقَتْلِ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ.
وَفِي الدُّرَرِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ يَنْقَسِمُ ابْتِدَاءً إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا طَرِيقٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ لَا مَخْرَجٌ، وَالْآخَرُ طَرِيقٌ عَامٌّ وَهُوَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ وَيُسَمَّى هَذَا بِالشَّارِعِ، وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: شَارِعُ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ أَكْثَرَ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي شَارِعِ الْمَحَلَّةِ وَالْآخَرُ الشَّارِعُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ مَا يَكُونُ مُرُورُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ كَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَخَارِجِ الْبُلْدَانِ، وَهَذَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وُجِدَ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ حَتَّى تَنْدَفِعَ الشُّبْهَةُ وَتَضْمَحِلَّ الْأَوْهَامُ انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا أَنْ تَكُونَ نَائِيَةً عَنْ الْمَحَالِّ وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحَالِّ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ.
وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لِإِمَامِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ وَالْجَامِعُ وَالشَّارِعُ لِلْعَامَّةِ ثُمَّ قَالَ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا وَاَلَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي هُنَا؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَقْرَبِ الْمَحَلَّاتِ وَقَالَ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّارِعُ نَائِيًا عَنْ الْمَحَلَّاتِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ كُتُبِ الْفَتَاوَى انْتَهَى.
وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ أَنَّ الدِّيَةَ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْعَبْدِ عَنْ الْمَحَلَّاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا التَّقْيِيدِ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (، وَكَذَا) تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (إنْ وُجِدَ) الْقَتِيلُ (فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ)؛ لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ وَاحِدٍ.
(وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَهْلِ السِّجْنِ) لَهُمَا أَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فِي السُّكُونِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَلَّمَا يَقُومُونَ بِحِفْظِهِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدٌّ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ تَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ كَوْنَهُمْ سُكَّانًا وَهُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا دَامُوا فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْهُمْ قَالُوا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُلَّاكِ وَالسُّكَّانِ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَإِنْ) وُجِدَ (فِي بَرِيَّةٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الصَّحْرَاءُ (لَيْسَ بِقُرْبِهِ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ صَحَّ يَكُونُ التَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ أَوْ الْمَكَانِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِبَرِيَّةٍ (قَرْيَةٌ يُسْمَعُ مِنْهَا) أَيْ الْقَرْيَةِ (الصَّوْتُ) الْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ صِفَةٌ لِقَرْيَةٍ (فَهُوَ هَدَرٌ) أَمَّا إذَا سُمِعَ مِنْهَا الصَّوْتُ تَكُونُ فِنَاءَ الْعُمْرَانِ وَهُمْ أَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا الصَّوْتُ الْوَاقِعُ فِي الْبَرِيَّةِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَاتِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَلَا يُوصَفُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ بِالتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِتَصْوِيتِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ، فَإِنْ كَانَتْ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
(وَكَذَا لَوْ) وُجِدَ (فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ هُوَ نَهْرُ الْكُوفَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْرُ الْعَظِيمُ لَا بِخُصُوصِ نَهْرِ الْفُرَاتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي نَهْرٍ عَظِيمٍ يَجْرِي بِهِ الْمَاءُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَذِكْرُ الْوَسَطِ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّطِّ كَحُكْمِ الْوَسَطِ مَا دَامَ يَجْرِي بِالْقَتِيلِ مَاؤُهُ.
(وَإِنْ) وُجِدَ (مُحْتَبِسًا بِالشَّطِّ) أَيْ جَانِبِ النَّهْرِ (فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّطِّ؛ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ بِحَيْثُ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ عَلَيْهِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِتَدْبِيرِهِ فَكَانَ ضَمَانُ الْمُحْتَبِسِ فِيهِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالِانْتِفَاعِ بِمَائِهِ سَقْيًا لِأَرَاضِيِهِمْ وَالتَّدْبِيرَ فِي كَرْيِهِ وَإِجْرَاءَ الْمَاءِ مِنْهُ إلَيْهِمْ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ وَالنَّهْرُ الصَّغِيرُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَهُوَ نَهْرٌ عَظِيمٌ كَالْفُرَاتِ وَجَيْحُونَ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ ثُمَّ أُجْلُوا) أَيْ انْكَشَفُوا وَتَفَرَّقُوا (عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ)؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَحَلَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِهَا فَحَيْثُ قَصَّرُوا فِي الْحِفْظِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَلِيُّهُ) أَيْ الْقَتِيلِ (عَلَى الْقَوْمِ) الَّذِينَ الْتَقَوْا وَأُجْلُوا (أَوْ عَلَى) وَاحِدٍ (مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ فَتَسْقُطُ) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (عَنْهُمْ) أَيْ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَاهُ جُعِلَ مُبَرِّئًا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ (وَلَا يَثْبُتُ) الْقَتْلُ (عَلَى) أُولَئِكَ (الْقَوْمِ) الَّذِينَ الْتَقَوْا وَأُجْلُوا (إلَّا بِحُجَّةٍ) إذْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَوْ خُلِّيَ النَّاسُ وَدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
(وَلَوْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي مُعَسْكَرٍ) أَيْ مَوْضِعِ عَسْكَرٍ (بِأَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ) لِأَحَدٍ (فَإِنْ) وُجِدَ (فِي خِبَاءٍ) هُوَ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ (أَوْ فُسْطَاطٍ) وَهُوَ الْخَيْمَةُ الْعَظِيمَةُ (فَعَلَى رَبِّهِ) أَيْ رَبِّ الْخِبَاءِ أَوْ الْفُسْطَاطِ (وَإِلَّا فَعَلَى الْأَقْرَبِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْخِبَاءِ أَوْ الْفُسْطَاطِ الْأَقْرَبِينَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْيَدُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ.
قَالُوا: هَذَا إذَا نَزَلُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ، وَأَمَّا إذَا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْعَسْكَرِ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ فِي خَارِجِ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ.
(وَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْعَسْكَرُ (قَدْ قَاتَلُوا عَدُوًّا) وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَهُمْ (فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا.
(وَإِنْ) كَانَتْ (الْأَرْضُ) الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْعَسْكَرُ (مَمْلُوكَةً) لِأَحَدٍ (فَالْعَسْكَرُ كَالسُّكَّانِ وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَيْهِمْ) أَيْ لَا عَلَى الْعَسْكَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالتَّدْبِيرِ فِي مِلْكِهِ وَحِفْظُ مِلْكِهِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلسُّكَّانِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْمَالِكِ وَالسُّكَّانِ جَمِيعًا وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ فِيمَا سَبَقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ.
(وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ ثُمَّ نُقِلَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَزَلْ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ) مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ (فَالْقَسَامَةُ) وَالدِّيَةُ (عَلَى الْقَبِيلَةِ) الَّتِي جُرِحَ فِيهَا (عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ)؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ وَهَذَا جَرِيحٌ لَيْسَ بِقَتِيلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَلَهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ وَالْمَرَضُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مِنْ أَوَّلِ سَبَبِهِ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ، فَكَذَا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ جُرِحَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ كَالصَّحِيحِ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَعَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ إذَا وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ يَحْمِلُهُ إلَى بَيْتٍ فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ عَلَى الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُودَهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ جَرِيحًا فِي الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْكَافِي وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ (مَعَ الْجَرِيحِ رَجُلٌ فَحَمَلَ) ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَجْرُوحَ (إلَى أَهْلِهِ وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (فِي أَهْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّجُلِ) الْحَامِلِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَضْمَنُ) وَالْعِلَّةُ فِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَا أَسْلَفْنَاهُ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي.
(وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ) وَاحِدٍ (فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا ضَمِنَ الْآخَرُ دِيَتَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا التَّوَهُّمُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ.
(وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ كُرِّرَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى عَاقِلَتِهَا الْقَسَامَةُ أَيْضًا) كَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ.
لَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الْقَتِيلِ فِي الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْقَتْلِ وَالْمَرْأَةُ فِي الْمِلْكِ وَتُهْمَةِ الْقَتْلِ كَالرَّجُلِ فِي الْقَسَامَةِ (وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْمَرْأَةُ تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ جَعَلْنَاهَا قَاتِلَةً شَارَكَتْ الْعَاقِلَةَ فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَعَلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ جُزْءٌ مِنْهَا.
(وَلَوْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي أَرْضِ رَجُلٍ فِي جَنْبِ قَرْيَةٍ) صِفَةُ الْأَرْضِ (لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَالْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِلَيْسَ صِفَةُ قَرْيَةٍ (فَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ (عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ)؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِلْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْقَاتِلُ.

.كِتَاب الْمَعَاقِلِ:

الْمَعَاقِلُ هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ كَالْمَفَاخِرِ جَمْعُ مَفْخَرَةٍ مِنْ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَعُقُولًا وَلَمَّا كَانَ مُوجَبُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ (وَهِيَ) أَيْ الْمَعَاقِلُ (الدِّيَةُ) وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا وَمَعْقَلَةً؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسِكُهَا وَتَمْنَعُهَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ صَاحِبَهُ عَنْ الْقَبَائِحِ (وَالْعَاقِلَةُ مَنْ يُؤَدِّيهَا) أَيْ الدِّيَةَ (وَهُمْ) أَيْ الْمُؤَدُّونَ (أَهْلُ الدِّيوَانِ) وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ.
وَفِي الْقَامُوسِ وَالدِّيوَانُ يُكْسَرُ وَيُفْتَحُ مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ فِيهِ أَهْلُ الْجَيْشِ وَأَهْلُ الْعَطِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جَمْعُهُ دَوَاوِينَ وَدَيَاوِينَ انْتَهَى.
وَالْأَصْلُ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ «قُومُوا فَدُوهُ» (إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ) وَالْعَاقِلَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعَشِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَحْيٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ صِلَةٌ وَالْأَقَارِبُ أَحَقُّ بِالصِّلَاتِ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ، وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَرَضَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ مِنْهُمْ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَا هَذَا إجْمَاعٌ عَلَى وِفَاقِ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَضَى عَلَى الْعَشِيرَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَ قُوَّةُ الْمَرْءِ وَنُصْرَتُهُ يَوْمئِذٍ بِعَشِيرَتِهِ ثُمَّ لَمَّا دَوَّنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الدَّوَاوِينَ صَارَتْ الْقُوَّةُ وَالنُّصْرَةُ بِالدِّيوَانِ فَلِهَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ (تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً.
(فَإِنْ خَرَجَتْ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي) مُدَّةٍ (أَقَلَّ) مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ (أَوْ) فِي مُدَّةٍ (أَكْثَرَ) مِثْلُ أَنْ تَخْرُجَ عَطَايَاهُمْ فِي سِتَّةِ سِنِينَ مَثَلًا (أُخِذَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَطَايَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتْ لِلْعَاقِلَةِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِوُجُودِ مَحَلِّ أَدَاءِ الدِّيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ، وَإِذَا خَرَجَتْ فِي سِتِّ سِنِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ سُدُسُ الدِّيَةِ إذْ الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْأَعْطِيَةِ لَا مِنْ أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَخْذِ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا فِي السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ.
(وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ (فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ)؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ (يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَيْضًا (مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةُ) دَرَاهِمَ (كُلَّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ) قَوْلُهُ كُلَّ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَدِرْهَمٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (أَوْ) كُلَّ سَنَةٍ (دِرْهَمٌ وَثُلُثُ) دِرْهَمٍ (لَا أَزْيَدَ) وَ (هُوَ الْأَصَحُّ) لِمُرَاعَاةِ مَعْنَى التَّخْفِيفِ فِيهِ (وَقِيلَ) يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ (فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةُ) دَرَاهِمَ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحَّ لِخُرُوجِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ حَدِّ التَّخْفِيفِ وَبُلُوغِهِ حَدَّ الْجِزْيَةِ فِي الثَّانِي وَقُرْبِهِ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ) إلَيْهِمْ (نَسَبًا) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) وَهُمْ الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَقِيلَ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ، ثُمَّ إنَّهُمْ قَالُوا إنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَرَبِ الْمَحْفُوظَةِ أَنْسَابُهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْعَقْلِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ فِيهِمْ لِتَضْيِيعِهِمْ أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ نَسَبًا، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ الْمَحَالُّ وَالْقُرَى الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ)؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعَقْلِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ.
قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْبَعْضِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكُلِّ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْبَعْضِ.
(وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْقَاتِلُ (مِمَّنْ) أَيْ قَوْمٍ (يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ) جَمْعُ حِرْفَةٍ (أَوْ بِالْحِلْفِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهُوَ التَّحَالُفُ عَلَى التَّنَاصُرِ (فَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ حِرْفَتِهِ أَوْ) أَهْلُ (حِلْفِهِ) لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ التَّنَاصُرِ.
(وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (وَ) عَاقِلَةُ (مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَعَاقِلَتُهُ) يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُعْتَقِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ عَاقِلَتُهُ مَوْلَاهُ وَعَاقِلَةُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِمْ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ».
وَفِي مَوْلَى الْمُوَالَاةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ.
(وَعَاقِلَةُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَاقِلَةُ أُمِّهِ)؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِمْ فَيَنْتَصِرُونَهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ الْأَبُ بَعْدَمَا عَقَلُوا) أَيْ عَاقِلَةَ الْأُمِّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (رَجَعُوا عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْأَبِ (بِمَا غَرِمُوا) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ الْأَبُ نَفْسَهُ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ، فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ عَقْلَ جِنَايَتِهِ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَبِيهِ وَأَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا عَنْ قَوْمِ الْأَبِ مُضْطَرِّينَ فِي ذَلِكَ بِإِلْزَامِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَرْجِعُونَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا هَكَذَا.
(وَإِنَّمَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) وَهُوَ مَا يَجِبُ بِالْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَوْ التَّسَبُّبِ (فَلَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ عَمْدٍ وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ أَوْ بِاعْتِرَافٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعًا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُتَنَاصَرُ بِالْعَبْدِ، وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ تَحَرُّزٌ عَنْ الْإِجْحَافِ بِالْخَاطِئِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) أَيْ الْعَاقِلَةَ الْمُعْتَرِفَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ زَالَ.
(وَلَا) تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ (أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ»، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِدَفْعِ الْإِجْحَافِ عَنْ الْجَانِي وَذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْكَثِيرَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ بِالنَّصِّ وَمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي (بَلْ ذَلِكَ) أَيْ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ (عَلَى الْجَانِي) وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ فِي أَرْشِ الْجَنِينِ فِي الْإِيجَابِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَرْشُ الْجَنِينِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ فَيُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِيمَا دُونَهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَلَا تَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي الْعَقْلِ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفُ النُّصْرَةِ وَالْجِزْيَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ وَالنُّصْرَةُ لَا تُوجَدُ فِيهِمَا.
وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا، وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ انْتَهَى.
(وَلَا يَعْقِلُ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ.
(وَيَعْقِلُ الْكَافِرُ عَنْ الْكَافِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً)؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمِلَّتَيْنِ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ فِيهِمَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ بِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ.
(وَالْمُسْلِمُ) إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ (يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالنُّصْرَةِ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يَتَنَاصَرُونَ (وَقِيلَ) الْمُسْلِمُ (كَالذِّمِّيِّ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ.
(وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ)؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ حَتَّى أَوْجَبَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا خِلَافَ فِي أَطْرَافِ الْعَبْدِ إنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْ الْعَاقِلَةِ عَوَاقِلُهُمْ فَكَذَا لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا».